[center]
بين مؤيدي إقرار قانون يضع حداً أدنى لسن الزواج، وأولئك المتشددين الذين يتخذون من الدين ستاراً لرفض القانون، تدفع فتيات اليمن الصغيرات أرواحهن وبراءتهن ثمناً للزواج القسري المبكر. زواج كانت آخر ضحاياه الطفلة إلهام مهدي شوعي، ابنة الأعوام الثلاثة عشر، التي توفيت بعد أربعة أيام من زواجها نتيجة العنف الجنسي الذي تعرضت له. وعلى الرغم من أن الظاهرة ليست جديدة على المجتمع، وتحركها موروثات اجتماعية ودينية وأوضاع اقتصادية متردية، إلا أن تسليط الضوء على معاناة الضحايا أسهم في إعادة إحياء الآمال بنجاح البرلمان في تخطي نفوذ الإسلاميين المتشددين وإقرار قانون يحد منها ويجنب المجتمع آثارها السلبية
جمانة فرحات
عجز جسد ابنة الأعوام الثلاثة عشر عن تحمل وحشية زوجها العشريني. لم تشفع براءتها وضعفها، ولم يشفع صغر سنها وقلة وعيها أمام رغباته الجنسية التي تلذذت بتمزيق جسدها، الذي سرعان ما استسلم تحت وطأة العنف الجنسي الذي تعرضت له طوال مدة أيام زواجها التي اقتصرت على أربعة. أربعة أيام فقط كانت كافية لتنضم الطفلة إلهام مهدي شوعي إلى قائمة طويلة من «عرائس الموت» اللواتي كن ضحايا الزواج القسري المبكر، المنتشر في اليمن.
وإن كانت الطفلة نجود محمد علي قد استطاعت النجاة بعد الهرب من منزل زوجها، الذي أُجبرت على الارتباط به وهي في سن ثماني سنوات، فإن الحظ لم يحالف إلهام بعدما وضعها بين يدي صديق شقيقها الذي لم يتقبل عجزه عن فضّ بكارتها، فسبب لها «تمزقاً كاملاً في أعضائها التناسلية ونزفاً مميتاً» لتدفع حياتها ثمناً لتقاليد بالية، وظلم ذوي القربى.
ظلم بدأ بالزواج القسري الذي أجبرت عليه، بعدما وقع الاختيار عليها لتكون «البدل» ليتمكن شقيقها من الزواج بأخت زوجها.
إلهام تحولت بين ليلة وضحاها إلى سلعة للمقايضة. هي ليست حالة النادرة في اليمن. ولأن قصص أقرانها تتكاثر إما في المحاكم وإما في ثلاجات المستشفيات، وبينها مأساة الطفلة فوزية عبد الله يوسف ابنة الأعوام الاثني عشر التي توفيت وهي تضع مولودها الأول العام الماضي، كان لا بد من عودة السجال في ظاهرة زواج القاصرات في اليمن إلى واجهة الحراك السياسي في البلاد.
حراك يقوده انقسام حاد في الآراء، تؤكده التظاهرات والتظاهرات المضادة التي شهدتها ساحة البرلمان الشهر الماضي. وبينما دعت منظمات نسائية وحقوقية إلى تفعيل القانون الذي يحدد حداً أدنى للزواج يكون 17 عاماً للنساء و18 عاماً للرجال، انبرى متشددون إسلاميون لرفضه مدعومين من رجل الدين النافذ عبد المجيد الزنداني، الذي رأى أن تحديد سن الزواج يعني «تحريم ما أباحه الله».
وأسهم تسرب أنباء هذه الظاهرة إلى الصحافية الأجنبية، بمساعدة من المنظمات الحقوقية، في إجبار الحكومة اليمنية العام الماضي على تقديم مشروع لتعديل قانون الأحوال الشخصية يحدد سن الزواج. وبعد تسويات اتفق على أن يكون حده الأدنى بـ«17 سنة» للفتيات، إلا أن القانون الذي أقر سرعان ما جمد التصديق عليه بعد رفضه من لجنة تقنين أحكام الشريعة الإسلامية بدعوى أنه مخالف للإسلام.
والزواج المبكر في اليمن وثيق الصلة بالتقاليد والقيم السائدة داخل المجتمع، وتغذيه مجموعة من العوامل يتداخل فيها الاقتصادي والاجتماعي، والديني.
وأشارت أرقام صندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسف» إلى أن ربع الفتيات في اليمن يتزوجن في سن 15 عاماً، فيما أظهرت دراسة ثانية أن زواج الفتيات الصغيرات يمثّل ما نسبته 65 في المئة من حالات الزواج المبكر، ويتركز في المناطق الريفية بنسبة 70 في المئة.
وغالباً ما يكون فرق السن شاسعاً بين الطفلة وزوجها، ويتعدى في كثير من الأحيان خمسين وستين عاماً. وأظهرت دراسات صادرة في السنوات الأخيرة أن الزواج المبكر يرتبط بالمستوى التعليمي للرجل اليمني. وأوضحت أن الرجل الأمي عادة لا يولي مسألة الفارق الكبير في السن أي أهمية، على اعتبار أن تفكيره ينصبّ على الناحية الجنسية فقط. كذلك فإنه يفضل الارتباط بفتاة صغيرة «حتى يقوم بتربيتها كما يريد هو، كي تطيعه ولا تخالف له أمراً».
وللتقاليد نصيبها الوافر أيضاً في ترسيخ هذه الظاهرة. فخوفاً من انحراف الشباب وضماناً للحفاظ على شرف الفتاة وعائلتها، تفقد فتيات اليمن حق التمتع بطفولتهن. هذا ما تؤكده إحدى اللواتي خضن هذه التجربة، إذ تقول: «أنا لا أعرف شيئاً عن طفولتي. في البداية أجلب الماء وأحطب، وفجأة زوجة وربة بيت». وتروي كيف بقيت خلال الأشهر الثمانية الأولى من زواجها تهرب من منزل قريب إلى آخر، قبل أن تستسلم لقدرها وتمكث مع زوجها. وتهوّن من شدة الأمر على نفسها بالاطمئنان إلى مصير بناتها بعدما أسرّ زوجها إليها باقتناعه أخيراً بسلبية الزواج المبكر، وبأنه لن يقوم بتزويج أي من بناته إلا بعد انتهائهن من الدراسة الجامعية.
وتؤدي الظروف الاجتماعية، في بلد يصنف بأنه أحد أفقر دول العالم، عاملاً محفزاً. ويدفع الفقر الأهالي إلى الاستغناء عن فتياتهن مقابل مهر مرتفع يضمن لهم من جهة الحصول على مردود مادي، ويخفف عنهم مصاريفها من جهةٍ ثانية. ظروف اقتصادية تجعلهم يتحيزون ضد فتياتهن إذا أبدت أي منهن رغبة في الانفصال.
مأساة تؤكدها الطفلة ريم، صاحبة الأعوام الاثني عشر، التي روت تجربتها قائلة: «أخبرت عائلتي أنني غير سعيدة مع زوجي، وأني أريد الطلاق، لكن كلهم تجاهلوا طلبي، ولم يهتموا بمشاعري».
وتشير حالة ريم التي تخوض معركة في المحكمة التي رفضت منحها الطلاق من ابن عمها لأنها قاصر، مطالبة إياها بالعودة عندما تبلغ الخامسة عشرة، إلى مدى قصور المحاكم اليمنية عن مواكبة حقوق الفتيات اليمنيات، وخضوع الحكم لاستنسابية القاضي في ظل غياب تشريعات محددة.
ويترتب على انتشار الزواج المبكر والبدل بين فتيات اليمن مشاكل اجتماعية وصحية ونفسية، تبدأ حين تجد الفتاة نفسها فجأة في وضع غير مؤهلة فيه لتحمل تبعات الزواج ومسؤوليته. وترتفع لديها احتمالات الوفاة أثناء الولادة نتيجة المضاعفات المتعلقة بالحمل المبكر، ليطال الضرر الصحي المواليد الذين تضعهن، وخصوصاً بعدما أظهرت البيانات انخفاضاً ملحوظاً في وزن المواليد الجدد بالمقارنة مع أقرانهم الذين يولدون لنساء راشدات.
اتمنى ان ينال الموضوع اعجابكم والتعليق عليه واعطاءريكم فيه حسب اهميه الموضوع في مجتمعنى اليمني.......
موضوع مهم يستحق المتابعه والتعليق منقووووووول